فصل: (مسألة المختار أن الاستحسان ليس دليلًا):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: غاية الوصول إلى شرح لب الأصول



.الكتاب الخامس في الاستدلال:

(وهو دليل ليس بنص) من كتاب أو سنة. (ولا إجماع ولا قياس شرعي). وقد تقدمت فلا يقال التعريف المشتمل عليها تعريف بالمجهول. (فدخل) فيه (قطعا) القياس (الاقتراني و) القياس (الاستثنائي) وهما نوعا القياس المنطقي وهو قول مؤلف من قضايا متى سلمت لزم عنه لذاته قول آخر وهو النتيجة فإن كان اللازم أو نقيضه مذكورا فيه بالفعل فهو الاستثنائي وإلا فالاقتراني فالاستثنائي نحو إن كان النبيذ مسكرا فهو حرام، لكنه مسكر ينتج فهو حرام، أو إن كان النبيذ مباحا فهو ليس بمسكر لكنه مسكر ينتج فهو ليس بمباح، والاقتراني نحو كل نبيذ مسكر وكل مسكر حرام، ينتج كل نبيذ حرام وهو مذكور فيه بالقوة لا بالفعل وسمي القياس استثنائيا لاشتماله على حرف الاستثناء لغة وهو لكن واقترانيا لاقتران أجزائه. (و) دخل فيه قطعا (قولهم) أي العلماء (الدليل يقتضي أن لا يكون) الأمر (كذا خولف) الدليل (في كذا) أي في صورة مثلًا، (لمعنى مفقود في صورة النزاع فتبقى) هي (على الأصل) الذي اقتضاه الدليل كأن يقال الدليل يقتضي امتناع تزويج المرأة مطلقا وهو ما فيه من إذلالها بالوطء وغيره الذي تأباه الإنسانية لشرفها، خولف هذا الدليل في تزويج الولي لها فجاز لكمال عقله وهذا المعنى مفقود فيها، فيبقى تزويجها نفسها الذي هو محل النزاع على ما اقتضاه الدليل من الامتناع. (و) دخل فيه (في الأصح قياس العكس) وهو إثبات عكس حكم شيء لمثله لتعاكسهما في العلة كما مر في خبر أيأتي أحدنا شهوته وله فيها أجر؟ قال: «أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه وزر» وقيل ليس بدليل كما حكي عن أصحابنا، وذكر الخلاف في هذا من زيادتي. (و) دخل فيه في الأصح (عدم وجدان دليل الحكم) هو أولى من قوله انتفاء الحكم لانتفاء مدركه، وذلك بأن لم يجد الدليل المجتهد بعد الفحص الشديد، فهو دليل على انتفاء الحكم، وقيل ليس بدليل، إذ لا يلزم من عدم وجدان الدليل عدمه، وذلك (كقولنا) للخصم في إبطال الحكم الذي ذكره في مسألة (الحكم يستدعي دليلًا وإلا لزم تكليف الغافل) حيث وجد الحكم بدون دليل مفيد له، (ولا دليل) على حكمك (بالسبر) فإنا سبرنا الأدلة فلم نجد ما يدل عليه. (أو الأصل) فإن الأصل المستصحب عدم الدليل عليه فينتفي هو أيضا، ودخل فيه الاستقراء والاستصحاب والاستحسان، وقول الصحابي والإلهام الآتية، وإنما أفرد كل منها بالترجمة بمسألة لما فيه من التفصيل وقوة الخلاف مع طول بعضه. (لا لقولهم) أي الفقهاء (وجد المقتضي أو المانع أو فقد الشرط)، فلا يدخل في الاستدلال حالة كونه (مجملًا) في الأصح، ولا يكون دليلًا بل دعوى دليل، وإنما يكون دليلًا إذا عين المقتضى والمانع والشرط. وبين وجود الأولين ولا حاجة إلى بيان فقد الثالث لأنه على وفق الأصل، وقيل يدخل في الاستدلال، ورجحه الأصل فيكون دليلًا على وجود الحكم بالنسبة إلى المقتضي وعلى انتفائه بالنسبة إلى الآخرين، وقيل دليل وليس باستدلال إن ثبت بنص أو إجماع أو قياس، وإلا فهو استدلال. وقد بينت ما فيه في الحاشية. وخرج بزيادتي مجملًا ما لو كان معينا فيكون استدلالًا ودليلًا كما علم مما مر.

.(مسألة الاستقراء بالجزئي على الكلي):

بأن يتتبع جزئيات كلي ليثبت حكمها له (إن كان تاما) بأن كان بكل الجزئيات إلا صورة النزاع (فـ)ـهو دليل (قطعي) في إثبات الحكم في صورة النزاع. (عند الأكثر) من العلماء، وقال الأقل منهم ليس بقطعي لاحتمال مخالفة تلك الصورة لغيرها على بعد. قلنا هو منزل منزلة العدم، (أو) كان (ناقصا) بأن كان بأكثر الجزئيات الخالي عن صورة النزاع (فظني) فيها لا قطعي لاحتمال مخالفتها للمستقرئ. (ويسمى) هذا عند الفقهاء (إلحاق الفرد) النادر (بالأغلب) الأعم، ويختلف فيه الظنّ باختلاف الجزئيات، فكلما كان الاستقراء فيها أكثر كان أقوى ظنا.

.(مسألة في الاستصحاب):

وقد اشتهر أنه حجة عندنا دون الحنفية بأقسامه الآتية على خلاف عندنا في الأخير منها، وعند غيرنا في الأولين أيضا. (الأصح أن استصحاب العدم الأصلي) وهو نفي ما نفاه العقل ولم يثبته الشرع كوجوب صوم رجب. (و) استصحاب (العموم أو النص و) استصحاب (ما دل الشرع على ثبوته لوجود سببه)، كثبوت الملك بالشراء (إلى ورود المغير) لها من إثبات الشرع ما نفاه العقل، ومن مخصص أو ناسخ أو سبب عدم ما دل الشرع على ثبوته أي كل من المذكورات (حجة) مطلقا فيعمل به إلى ورود المغير، وقل ليس بحجة مطلقا، وقيل الأخير منها حجة في الدفع به عما ثبت دون الرفع به لما ثبت كاستصحاب حياة المفقود قبل الحكم بموته، فإنه دافع للإرث منه وليس برافع لعدم الإرث من غيره للشك في حياته فلا يثبت استصحابها له ملكا جديدا، إذ الأصل عدمه، وقيل هو حجة إن يعارضه ظاهر وإلا قدم الظاهر، وقيل فيه غير ذلك. والأصح الأول فيقدم الأصل على الظاهر. (إلا إن عارضه ظاهر غالب ذو سبب ظن أنه أقوى) من الأصل، (فيقدم) عليه (كبول وقع في ماء كثير فوجد متغيرا، واحتمل تغيره به) وتغيره بغيره مما لا يضر كطول المكث. (وقرب العهد) بعدم تغيره فإن استصحاب طهارته التي هي الأصل عارضته نجاسته الظاهرة الغالبة ذات السبب التي ظنّ أنها أقوى، فقدمت على الطهارة عملًا بالظاهر، بخلاف ما لم يظن أنه أقوى بأن بعد العهد في المثال بعدم التغير قبل وقوع البول أو لم يكن عهد، وتأخيري الغاية عن المذكورات أولى من تقديمه لها على الأخير، وذكر الخلاف في الأوّلين مع التصريح بقولي ظنّ أنه أقوى من زيادتي. (و) الأصح أنه (لا يحتج باستصحاب حال الإجماع في محل الخلاف) أي إذا أجمع على حكم في حال ثم اختلف فيه في حال آخر، ففلا يحتج باستصحاب ذلك الحال في هذا الحال، وقيل يحتج مثاله الخارج النجس من غير السبيلين لا ينقض الوضوء عندنا استصحابا لما قبل الخروج من بقائه المجمع عليه.
(فالاستصحاب) الشامل للأنواع السابقة وينصرف الاسم إليه، (ثبوت أمر في) الزمن (الثاني لثبوته في الأول لفقد ما يصلح للتغيير) من الأول إلى الثاني، فلا زكاة عندنا فيما حال عليه الحول من عشرين دينارا ناقصة تروج رواج الكاملة بالاستصحاب (أما ثبوته) أي الأمر (في الأول) لثبوته في الثاني (فـ)ـاستصحاب (مقلوب) كأن يقال في المكيال الموجود الآن كان على عهده صلى الله عليه وسلّم باستصحاب الحال في الماضي، إذ الأصل موافقة الماضي للحال والاستدلال به خفيّ حتى قال السبكي إنه لم يقل به الأصحاب إلا فيمن اشترى شيئا فادعاه غيره وأخذه بحجة مطلقة فيثبت له الرجوع بالثمن على البائع عملًا باستصحاب الملك الذي ثبت الآن فيما قبل ذلك، لأن البينة لا توجد الملك، بل تظهره، فيجب أن يكون سابقا على إقامتها ويقدر له لحظة لطيفة، ومن المحتمل انتقال الملك من المشتري إلى المدعي، ولكنهم استصحبوا مقلوبا وهو عدم الانتقال منه على أن في هذه الصورة وجها مشهورا بعدم الرجوع، واعتمده البلقيني وقال إنه الصواب المتعين، والمذهب الذي لا يجوز غيره. (وقد يقال فيه) أي في الاستصحاب المقلوب ليظهر الاستدلال به لرجوعه في المعنى إلى الاستصحاب المستقيم (لو لم يكن الثابت اليوم ثابتا أمس لكان غير ثابت) أمس، إذ لا واسطة بين الثبوت وعدمه (فيقضي استصحاب أمس) الخالي عن الثبوت فيه، (بأنه اليوم غير ثابت وليس كذلك)، لأنه مفروض الثبوت اليوم (فدل) ذلك (على أنه ثابت) أمس أيضا.

.(مسألة المختار أن النافي) لشيء (يطالب بدليل) على انتفاء:

(إن لم يعلم النفي) أي انتفاء الشيء (ضرورة) بأن علم نظرا أو ظن لأن غير الضروري قد يشتبه فيطلب دليله لينظر فيه، وقيل لا يطالب به، وقيل يطالب به في العقليات لا الشرعيات. (وإلا) أي وإن علم انتفاؤه ضرورة، (فلا) يطالب بدليل على انتفائه لأن الضروريّ لا يشتبه حتى يطلب دليله لينظر فيه، وتعبيري بما ذكر أولى مما عبر به كما بينته في الحاشية. (و) المختار (أنه لا يجب الأخذ بالأخف ولا بالأثقل) في شيء، بل يجوز كل منهما لأن الأصل عدم الوجوب، وقيل يجب الأخذ بالأخف لقوله تعالى: {يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر} وقيل يجب الأخذ بالأثقل لأنه أكثر ثوابا وأحوط، والترجيح من زيادتي، وتقدم في الإجماع ما يؤخذ منه أنه يجب الأخذ بأقل ما قيل.

.(مسألة المختار) كما قال ابن الحاجب وغيره (أنه صلى الله عليه وسلّم كان متعبدا) بفتح الباء وكسرها أي مكلفا ومكلفا نفسه بالعبادة (قبل البعثة بشرع):

لما في الأخبار من أنه كان يتعبد كان يصلي كان يطوف. وتلك أعمال شرعية يعلم ممن مارسها قصد موافقة أمر الشرع، ولا يتصوّر من غير تعبد فإن العقل بمجرده لا يحسنه، وقيل لم يكن متعبدا وقيل بالوقف وهو ما اختاره الأصل، (و) المختار (الوقف عن تعيينه) أي تعيين الشرع بتعيين من نسب إليه، وقيل هو آدم، وقيل نوح، وقيل إبراهيم، وقيل موسى، وقيل عيسى، وقيل ما ثبت أنه شرع من غير تعيين لنبيّ. (و) المختار (بعدها) أي بعد البعثة (المنع) من تعبده بشرع من قبله، لأن له شرعا يخصه، وقيل تعبد بما لم ينسخ من شرع من قبله أي ولم يرد فيه وحي له استصحابا لتعبده به قبل البعثة. (و) المختار بعد البعثة (أن أصل المنافع الحل المضارّ التحريم) قال تعالى: {خلق لكم ما في الأرض جميعا} ذكره في معرض الامتنان ولا يمتنّ إلا بالجائر. وقال صلى الله عليه وسلّم: «لا ضَرَرَ ولا ضِرَار». رواه ابن ماجه وغيره، وزاد الطبراني: «في الإسلام» وقيل الأصل في الأشياء الحل، وقيل الأصل فيها التحريم، أما حكم المنافع والمضارّ قبل البعثة فتقدم أوائل الكتاب حيث قيل لا حكم قبل الشرع بل الأمر موقوف إلى وروده.

.(مسألة المختار أن الاستحسان ليس دليلًا):

إذ لا دليل يدل عليه وقيل هو دليل لقوله تعالى: {واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم} قلنا المراد بالأحسن الأظهر والأولى لا الاستحسان. (وفسر بدليل ينقدح في نفس المجتهد تقصر عنه عبارته وردّ بأنه) أي هذا الدليل (إن تحقق) بفتح التاء عند المجتهد (فمعتبر)، ولا يضرّ قصور عبارته عنه قطعا، وإن لم يتحقق عنده فمردود قطعا. (و) فسر أيضا (بعدول عن قياس إلى) قياس (أقوى) منه، (ولا خلاف فيه) بهذا المعنى، إذ أقوى القياسين مقدم على الآخر قطعا. (أو) بعدول (عن الدليل إلى العادة) لمصلحة، كدخول الحمام بلا تعيين أجرة وزمن مكث فيه وقدر ماء وكشرب الماء من السقاء بلا تعيين قدره مع اختلاف أحوال الناس في استعمال الماء. (وردّ بأنه إن ثبت أنها) أي العادة (حق) لجريانها في زمنه صلى الله عليه وسلّم، أو بعده بلا إنكار ولا من الأئمة. (فقد قام دليلها) من السنة أو الإجماع فيعمل بها قطعا. (وإلا) أي وإن لم يثبت حقيتها (ردّت) قطعا فلم يتحقق بما ذكر استحسان مختلف فيه. (فإن تحقق استحسان مختلف فيه فمن قال به فقد شرع)، بالتخفيف. وقيل بالتشديد أي وضع شرعا من قتل نفسه وليس له ذلك لأنه كفر أو كبيرة. (وليس منه) أي من الاستحسان المختلف فيه أن تحقق (استحسان الشافعي التحليف بالمصحف والخط في الكتابة) لشيء من نجومها. (ونحوهما) كاستحسانه في المتعة ثلاثين درهما، وإنما قال ذلك لأدلة فقهية مبينة في محالها، ولا ينكر التعبير به عن حكم ثبت بدليل.

.(مسألة قول الصحابي) المجتهد (غير حجة على) صحابي (آخر وفاقا و) على (غيره) وكتابعي (في الأصح):

لأن قول الصحابي ليس حجة في نفسه، والاحتجاج به في الحكم التعبدي من حيث إنه من قبيل المرفوع لظهور أن مستنده فيه التوقيف لا من حيث إنه قول صحابي، وقيل قوله على غير الصحابي حجة فوق القياس حتى يقدم عليه عند التعارض، وقيل حجة دون القياس فيقدم القياس عليه، وقيل حجة إن انتشر من غير ظهور مخالف له، لكنه حينئذ إجماع سكوتي، فاحتجاج الفقهاء به من حيث إنه إجماع سكوتي لا من حيث إنه قول صحابي، كما لو وقع من مجتهد غير صحابي قول باجتهاد وسكت عليه الباقون، وقيل حجة إن خالف القياس، وقيل قول الشيخين أبي بكر وعمر حجة بخلاف غيرهما، وقيل غير ذلك. وعلى القول بأنه حجة لو اختلف صحابيان في مسألة فقولاهما كدليلين فيرجح أحدهما بمرجح. (والأصح) ما عليه المحققون (أنه) أي الصحابي (لا يقلد) بفتح اللام أي ليس لغيره أن يقلده لأنه لا يوثق بمذهبه، إذ لم يدوّن بخلاف مذهب غيره من الأئمة الأربعة وقيل يقلد بناء على جواز الانتقال في المذاهب والتصريح بالترجيح من زيادتي. (أما وفاق الشافعي زيدا في الفرائض) حتى تردد حيث تردّد (فلدليل لا تقليدا) لزيد بأن وافق اجتهاده اجتهاده.